المجاهد قاسم بن باحمد كاره

  • المجاهد قاسم بن باحمد كاره

  • مقدمة:

الحمد لله الذي سخَّر لهذه الأمة رجالا وجعل في أيديهم سراجا ينيرون به الطريق للعباد، ليُبْصروا به سبيل الصواب، ثم الصلاة والسلام على المبعوث رحمة للأنام منقذ البشرية من الظلمات والآثام، محمد صلى الله عليه وسلم، يقول الله تعالى:)مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً( [الأحزاب: 23].

خلق الله الإنسان في هذه الدنيا لعبادته فقال: )وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ([الذاريات: 56]، وبعد أن يستقر الإنسان حينا من الدهر في الحياة الدنيا، يكون مصيره الموت والفناء إلى الدار الآخرة ليلقى جزاء ما عمل، فإن كان خيرا فخير، وإن كان شرا فشر، قال الشاعر:

لا دارَ للمرءِ بعد الموتِ يسكُنُها

 

إلاَّ التِي كانَ قبلَ الموتِ يَبْنِيهَا

 
  • مولده ونشأته:

هو الفاضل الحاج قاسم بن باحمد بن سليمان كاره، من عشيرة (آل انشاشبة)، من مواليد سنة 1926م،وبالضبط في اليوم الخامس عشر من شهر رمضان المعظم 1344هـ بمدينة غرداية، حيث نشأ في عائلة متواضعة محافظة على الدِّين والمذهب، بسيطة العيش، تزوّج سنة 1949م بابنة ابن عمه السيد "كاره حمو بن إبراهيم بن سليمان"، حيث رزقه الله معها بذرية صالحة متكونة من (10) أبناء.

  • تعلمه:

رغم ذكاء الشيخ وحنكته إلا أن ظروفه المعيشية لم تسمح له بالبقاء طويلا في مقاعد الدراسة، حيث أتم الدراسة الابتدائية فتحصل على"شهادة إتمام الدراسة الابتدائية" Certificat de fin d'études، أما القرآن والعلوم الشرعية فلم يحظ بدراسة منتظمة إلا قليلا، وكان تكوينه فيها عصاميا عن طريق المطالعة والاستماع للدروس المسجلة، لكن ذريته من بعده تكلّلت بالمعلّمين والأساتذة، وسبب ذلك يرجع إلى القُوت الحلال وطاعة الله والنّية الحسنة.

  • حياته العملية:

ولما بلغ سن الرابع عشر (14) من عمره انتقل إلى مدينة (سطيف) للعمل في التجارة من أجل كسب قوت عائلته، نظرا للظّروف الصعبة آنذاك، خاصّة أنّه واكب الحرب العالمية الثّانية.

تكفّل به في مدينة (سطيف) سيدٌ من عائلة (الواهج)، حيث استأجره على العمل في المتجر، وقد تزامنت هذه الظّروف مع فترة بلوغه سن التكليف؛ أين تعلّم مبادئ الصلاة على يد معلّمه المدعو (الحاج أحمد). وبعد عام من تواجده بـ(سطيف) مرض أبوه مرضا شديدا فاستُدعيَ للبقاء معه، لكن القدرلم يشأ ذلك فمات والده بعد يوم من وصوله إلى البلد، وبالضّبط يوم 01 نوفمبر 1941م، فدامت إقامته في (أغلان) عاما كاملا بعد وفاة أبيه، وكان لـ(العشيرة) دور فعّال في التّكفل به ومساندته مادّيا ومعنويا، وبعد ذلك توجّه للتّجارة في مدينة (رحوية)-ولاية (تيارت)- إلى حينِ اندلاع الثّورة الجزائرية.

  • مشاركته في الثورة التحريرية: 

بعد رحيله إلى ولاية (تيارت) للتجارة، تزامنت تلك الفترة مع اندلاع الثورة التحريرية حيث قام هو وزملاؤه بمساندة الثّوار والمجاهدين ومدِّهم بالمؤونة واللّباس وكتابة مراسلاتهم وقراءتها لهم ولأهاليهم، فاعتقلته السلطات الاستعمارية مرّتين، فخلَّصه وجهاء المنطقة وبعض كبار العشيرة الذين وقفوا إلى جانبه في السراء والضراء.

اتّخذ"الحاج قاسم" من مدينة (وهران) ملاذا له لمَا لقي من مضايقات المستعمر الفرنسي في (تيارت) التي فر منها تاركا أمواله وتجارته، فعمل مع السّيّد "تاجرونة عمر بن أحمد" الذي رحّب به إلى غاية 1959م، أين اشترى لنفسه محلا تجاريا وفتحه سنة 1960م. وحين دخلت (الجزائر) في هدنة مع الاستعمار في مارس 1962م، قام بعض المتعصّبين الفرنسيين بحرق محلّه التجاري وتدميره بالكامل.

  • نشاطه الاجتماعي:

نشاطه في محضرة (عمور): تزوّج سنة 1949م، وبعد ثلاثة أيام انضمَّ إلى محضرة (عمّور) ونظام الحراسة فيها، فكان محل ثقة وأمانة ووفاء، ثم تقلَّد منصب (أمين المال) حوالي سنة 1992م، فجاهد في سبيل الله ما عرّفه الله تعالى، إلى أن أحسَّ بالعجز فاستقال من منصبه سنة 2011م.

نشاطه في مسجد (بوليلا): لما سكن بحي الشعبة (الفوقانية) وجد مسجد (بوليلا) مُهمَلا وبالطراز القديم، حيث ساهم في ترميمه وإضافة عدة مرافق له كقاعة للنساء ودورات المياه، ثم عُيِّن في منصب (أمين المال) للمسجد، حيث ساهم بدور فعال في توسعته وإضافة مرافق أخرى تابعة للمسجد، ولما أحسَّ بالعجز عن أداء مهامه قدم استقالته أيضا من منصبه، وبقي مستشارا لإدارة المسجد إلى غاية وفاته.

نشاطه في عشيرة (آل انشاشبة): انضمّ كذلك إلى إدارة عشيرة (آل انشاشبة)، حيث تقلد عدة مسؤوليات؛ منها جمع التبرعات والصدقات والزكاة، فيقسِّمها على فقراء العشيرة، وكان عضوا فعّالا ومواظبا في حضور اجتماعاتها، داعما للنشاط الثقافي لشباب العشيرة. وكان دائما يركّز على دور الأغنياء نحو الفقراء والمساكين وتلبية حاجات الأرامل واليتامى وسبل التّكفّل بهم، فبمثل هذه النّظم تقوم قائمة العشائر، وإلّا فأعمالها تذهب هباء منثورا.

نظرته لعصرنا الحاضر:كان متفائلا جدًّا بشباب اليوم (عصرنا هذا)، خاصّة وأنّه كان يوصي بالعلم والتّعلم بعلوم الآخرة دون إهمال علوم الدّنيا، والدفع بقيادة الأمّة إلى الأمام.

موقفه من المرأة قديما وحديثا: رزق فقيدنا بستِّ بنات، فأتمَّ تربيتَهن وتعليمَهن، وسعى لاستقرارهن في بيوت أزواجهنّ، وحرص على تماسك أسرهن، وعمل على دعمهن لمجابهة متاعب الحياة، وقد وفقه الله تعالى لتحقيق أمله في المحافظة على سعادة بناته ونجاحهن في بناء أسر سعيدة منورة بالأولاد والأحفاد والأسباط.

وكان يجتهد بمثل ذلك مع بنات المجتمع، يسعى لتوفير متطلبات الزواج للمحتاجات منهن، ويساهم في إقامة أعراسهن، ويعتبر ذلك من الأولويات في الإنفاق، حيث أوصى بالاعتناء بالمرأة وأنّها أساس الحياة في المجتمع الفاضل، لكن لا نستطيع الهروب من قوانين الدّولة حيال المرأة، لكن في عبارة وجيزة عبّر عن ضرورة التّمسك بالدّين والحياء، فمن التزم فقد نجا، ومن خالف فقد غوى.

  • خصاله:

الصبر: ابتُلي في ماله لما أحرق متجره في (وهران)، بعد أن جمع فيه كل ما يملك وكافح وكابد من أجل أن يؤسس حركته التجارية، فأتت النيران على كل شيء، فأرجع أمره إلى الله تعالى، وأعاد الكرة في تأسيس تجارته من جديد بأموال اقترضها من هنا وهناك.

كما ابتلي في صحته يوم وقع له حادث سير مروّع تهشمت فيه عظام فَخِذه، فصبر طريحا للفراش حبيس البيت والمستشفيات لأزيد من عامين، ونهض بعد ذلك معاقا في ركبته، وعاش بإعاقته بقية عمره صابرا.

وابتلي في ذريته بفقدان ابنه البكر، وقد بلغ معه السعي في الثامنة من عمره بعد حادثة سقوط وتهشم للجمجمة، فصبر الوالد الكريم وتولى بنفسه نقل جثمان ابنه من (وهران) إلى غرداية ليواريه التراب صابرا محتسبا داعيا الله عز وجل أن يخلفه في مصيبته.

التواضع والإيثار: رغم أن الله تعالى قد فتح عليه الكثير من خزائن رزقه، إلا أن حياته لم تصطبغ أبدا بمظاهر الترف والغنى، ولم يكن يقبل أن يتميز لا في ملبسه ولا مسكنه ولا مركبِه، بل عاش عيشة وسطا، وعاشر جميع الطبقات، وخدم الفقراء والمحتاجين.

الإنفاق في سبل الخير: كان -رحمه الله- مؤمنا بوعد الله تعالى: )...وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ([سبأ: 39]، فكان لا يرد سائلا أبدا، فكم ساعد من شباب لتأسيس حركات اقتصادية، ووقف مع اليتامى والأرامل والمحتاجين لسكن عائلي، فضلا عن دعمه المستمر لمختلف المشاريع الخيرية؛ كالعشيرة، والمؤسسات التعليمية الحرة، والمحاضر، والمساجد...

  • مرضه ووفاته:

في سنوات عمره الأخيرة أصيب الشيخ -رحمه الله- بضعف في قلبه، فتضاءل نشاطه وأصبح مرتبطا بالفحص الطّبّي والعلاج بصفة دورية، ثم اشتد عليه المرض وأقعده الفراش بصفة نهائية لمدة عام كامل، ومما زاد من حِدَّة مرضه ما أصاب مدينة (غرداية) من أحداث أليمة وقعت بعض فصولها أمام مسكنه بحي (سالم أوعيسى). وفي مساء الثلاثاء التاسع من صفر 1436هـ الموافق للثاني من ديسمبر 2015م بلغ الكتابُ أجَلَه وفاضت روحه إلى بارئها، ونظمت له جنازة مشهودة صباح الأربعاء بمقبرة الشيخ (باعيسى وعلوان)، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، وإن لنا في أبنائه وحفدته البررة خير عزاء، يواصلون مسيرته الجهادية في سبيل نشر العلم وخدمة الدين والمجتمع.

المصدر: زيارة في الله قام بها وفد من أساتذة مدرسة تاونزة، إلى دار المرحوم، يوم الأربعاء 07 محرّم 1434هـ /21 نوفمبر 2012م.

 

  • تقرير الزيارة: أبو بكر الصديق بن باحمد خرازي

أستاذ بالمدرسة العلمية (تاونزة).

  • مراجعة وإثراء: مصطفى بن قاسم كارَه

مدير معهد عمي سعيد/ ابن الفقيد

 

1 تعليقات

  1. أويابة عيد الرحمان

    رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، حقيقة كلنا أمل وتحدي بالاقتداء بمثل هذه الشخصيات الفذه في الصبر والمجاهدة والعمل الدؤوب في سبيل إعلاء كلمة الله. مجرد ملاحظة أظن أن وفاته 2014 وليس 2015م شكرا...

أضف تعليقا للموضوع : المجاهد قاسم بن باحمد كاره