لقد شرَّع الله الحكيم صيام شهرِ رمضان، ليكون بمنزلة دورة تدريبية سنوية لتحصيل التقوى والارتقاء بالنفس في مراتبها، ويسر لنا ذلك بأن ضاعف أجور الطاعات وسائر القربات وصفّد مردة الشياطين، حتى نتزوّد لما بعد رمضان، ونستمر في طريق الاستقامة ونتصدى لحبائل الشيطان؛ قال تعالى:{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً اِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنَ اَصْحَابِ السَّعِيرِ }[فاطر: 6].
إن الشيطان قد أفصح عن خطته ووثقها ربُّ العالمين في كتابه الخالد: { قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ` ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنَ اَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: 16-17].
مع التطور العلمي المذهل في عصر العولمة اشتدت معركة الشيطان وحزبه على الأمة الإسلامية وعلى شبابها بصفة خاصة، فأصبحت الرذيلةُ رخيصةً وفي المتناول بأبخس الأثمان وأدنى الجهود، وعمّت الفتن وساد اليأس وزاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، واحتار أولوا الألباب وخار ذوو العزائم.
لقد اكتسحت معركةُ الشيطان وحزبِِه أغلبَ المجتمعات ولم تستثنِ الأكثرَ محافظةً ولا الأشدَّ انغلاقاً، وتسللت أسلحته الفتاكة إلى البيوت والخدور، واجتاح جنوده وأعوانه المدن والقرى والمداشِر.
لكن رحمةً بالمؤمنين، وزرعا للأمل في نفوس الصامدين في هذه المعركة مع الشيطان وحزبه، يبشرنا ربنا {...إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً }[النساء: 76]، وأن لا سلطة لإبليسَ اللّعينِ غير الدعوة فقط وزمام الاختيار هو بِيَد الإنسان نفسه: {...وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ اِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ...}[إبراهيم: 22].
والأهم من هذا أن الله سبحانه وتعالى قد قضى بتغليب عباده المؤمنين المتقين الصالحين في هذه المعركة الحاسمة: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْاَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ }[الأنبياء: 105]،فما عليهم سوى التخطيطُ والجهد في التنفيذ والصبر والاستعانة بالله عز وجل: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الاَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }[الأعراف: 128].
الخطة العملية لربح المعركة:
- تحصين الناشئة بالقرآن الكريم والذكر الكثير، وقد أطلعتنا وسائل الإعلام على نماذجَ رائعةٍ لأطفالٍ قرآنيين ولما يتجاوزوا سنَّ الفطام إلا قليلا، مما يدل على أن الأرضية خصبة لعمل الكثير في البيوت ورياض الأطفال والمدارس القرآنية.
- تحصين الفتيان والفتيات بالصحبة الصالحة والتوجيه بالمرافقة والقدوة الحسنة، وهذه مهمة المؤسسات التربوية والجمعيات الشُّبانية وبرامج المرافقة التربوية والروحية.
- المرافقة الحكيمة والصارمة للأولاد والمراهقين في جوٍّ من الثقة والإقناع، هذا بضبط برامجهم اليومية والتحكم في مقتنياتهم ومصاريفهم، والتعرف على من يصاحبون وأين ينخرطون، وهذه مَهَمّة الأولياء والمؤطرين للنشاطات الثقافية والرياضية والترفيهية.
- سد جميع الثغور والمنافذ التي يتسلل منها إبليس وأعوانه، ويستدرجون منها ضحاياهم، مهما بدت هذه الثغور ضيقة أو تافهة؛ كالتقليد الأعمى في المظهر والهندام ونمط العيش، والتهافتِ على بعض الرياضات ممارسة ومتابعة وتعاطفاً، وهذا دور المربين والمؤطرين والمرشدين ورجال الفتوى.
- التفويض وتقاسُم المسؤولية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتوفير البيئة الصالحة النظيفة، وترقية الحِضن الأُسَري، وهذه مَهمَّة العشائر ومكاتب العائلات وإدارات المساجد ولجان الأحياء.
- تثمين جهود الدعوة الميدانية ودعمها والالتفاف حولها وترقيتها؛ وهذه مهمة المسؤولين في السلطة والمجتمع.
- حمل جميع شرائح المجتمع لِهَمِّ الدعوة إلى الله ومحاربة الآفات الاجتماعية، والمشاركةُ فيه بفعالية كلٌّ حسب قدرته: صغارا وكبارا، رجالا ونساء، طلبة وتجارا ومهنيين، مسؤولين ومرؤوسين...
جعلنا الله من عباده {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [الزمر: 18]. اللهم مكّن لدينك في الأرض واجعلنا سببا للتمكين.
{... رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنَ اَمْرِنَا رَشَداً }[الكهف:10]،
{... رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنَ اَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً }[الفرقان:74]،
{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ` وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ` وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الصافات:180-182]،
من كلمة الافتتاح في حفل اختتام السنة الدراسية 2016/2017 عن الأسرة التربوية بالمعهد: مصطفى بن قاسم كَارَه
لايوجد تعليقات