موقع إروان   أضفنا إلى المفضلة اجعلنا صفحة البداية   الصفحة الرئيسة
خارطة الموقع ساهم معنا اتصل بنا سجل الزوار مواقع فرعية  
 
 
 
 
مساهمات فكرية - خطب   2011-10-10
العلم والعلماء ومكانتهما في الإسلام
 

الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونسترشده، ونتوكل عليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليّا مرشدا، الحمد لله القائل في محكم كتابه الكريم، بسم الله الرحمن الرحيم: ]اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خلَقَ الإنسان مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ[، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان خير معلم للبشرية جمعاء؛ فقال: "إنما بعثت معلما"، اللهم صل عليه وعلى من كان منارة وهدى يقتفى بآثارهم من الصحابة والتابعين إلى يوم الدين؛ أما بعد:

إخوة الإيمان: ما سادت هذه الأمة الإسلامية وما كانت خير الأمم إلا بالعلم، فحاجة الأمة للعلم الصحيح المنضبط بالكتاب والسنة أشد من حاجتها إلى ضروريات الحياة من أكل وشرب وملبس، لأنه بالعلم عبد الله وبالجهل عبدت الأوثان، وما الشقاق والاختلاف الحادث بين أرجاء الأمة، مرجعه الافتقار إلى العلم الصحيح، فكما أن الصدر الأول من هذه الأمة توفرت فيها دعائم الوحدة والألفة، وحباها الله بالعزة والمَنعة، فإنا لو تمسكنا بذلك المنهل العذب سننعم بما كانوا فيه من نعم؛ قال الله تعالى: ]إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ[.

أيها الناس: إن العلم في الإسلام هو كل علم نافع، على أن يكون هذا العلم أساسه الإيمان بالله تعالى، ليكون وسيلة لتحقيق الفوز، فالله تعالى يقول: ]إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ[، أما إذا لم يكن قائما على أساس الإيمان فهو أداة هدم ومعول فساد، كالعلم المادي الآن في أيدي الكفرة، فهم قدّموا بعلمهم ما يفني البشرية ويهلكها أكثر مما ينفعها، لأن العلم لم يقم عندهم على الإيمان، ولم يقم على مراقبة الله تعالى، فهم لا يؤمنون بالحساب ولا يؤمنون بالقيامة، لا همّ لهم إلا الدنيا فقط: ]يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ[، هم يتسابقون في ذلك ويتنافسون ويبذلون الأموال الطائلة في التسلح، بحيث لو أنفقت هذه الأموال للتنمية والإعمار لتحولت الدنيا إلى جنان خضراء وما وجد عليها فقير ولا محتاج.

فيجب علينا أن نتعلم العلم الشرعي وما يجب علينا من حقوق ومن واجبات، والله تعالى قد بين لنا كل شيء في القرآن الكريم، إما مفصلا وإما مجملا، وكل انشغالاتنا وتوجهاتنا لا بد وأنها تندرج تحت قاعدة من قواعد القرآن الكريم، إما بصورة مباشرة أو غير مباشرة، قال تعالى: ]وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ[، ولكي نفهم هذه الحقيقة وضرورتها، علينا بتفريغ الأوقات ليكون لنا علم القرآن الذي لا يستغني عنه أي مسلم في حياته، لأننا إذا اكتفينا بالمرور عليه فقط دون التركيز ومحاولة الفهم فلن تتغير حياتنا، وسنظل نشتكي ونشتكي ولا نجد حلولا؛ قال تعالى: ]هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ[.

أيها المؤمنون: إن علم القرآن ضرورة حتمية للرجال والنساء والناشئة؛ قال تعالى: ]قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَلْبَابِ[، وقال تعالى آمرا النساء:  وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا[، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "علموا أولادكم القرآن فإنه أول ما ينبغي أن يتعلم من علم الله هو"، فالعلم معناه مدارسته ومعرفة أحكامه وتطبيقه، فكم نعاني في المدارس من أولادنا من عدم الهدوء والسكون مع مادة القرآن الكريم -إلا من رحم ربي- فمن أهم الأسباب الاعتناء بالجانب التحصيلي على الجانب الروحي وعدم استشعار معنى القرآن الكريم وأنه كلام خالق الكون، والمسؤولية يتقاسمها الجميع، من المربي والوالدين والمجتمع.

فالقرآن علم وهدى، وهو الذي يوجه الإنسان إلى النظر والتأمل في الآيات الكونية، إذ من خلالها تقوى صلته بالله تعالى، وقد جعل الله تعالى هذا الكون كله وسخره لهذا الإنسان، قال تعالى: ]وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ[، وقال: ]أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ[ إذن؛ فلا تعارض بين دراسة الكتاب (القرآن الكريم) والبحث العلمي في شتى المجالات والتخصصات، لأن القرآن قد وجهك إليها، فحتى تكون دراستك مهمةً وذات روح، عليك أن تربطها بخالق الكون، وإلا فلا تشعر بلذة البحث ولا تتفاعل معه لأن بحثك ماديّ ولا روح فيه.

أيّها المؤمنون: كم من آيات تعلي من شأن العلم، وقد قرن الله شهادتهم بشهادة الملائكة، قال تعالى: ]شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ[ فبدأ سبحانه بنفسه وثنى بملائكته وثلث بأولي العلم، مستشهدا بهم على تفرده بالألوهية، وقال أيضا: ]يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ[،  والأنبياء يطلبون العلم عند من هم دونهم، قال تعالى في قصة موسى عليه السلام وفتاه: ]فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَدُنَّا عِلْمًا، قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا[.

وقد يدرك الأدنى من العلم ما لا يدرك الأعلى؛ قال تعالى في قصة سليمان عليه السلام حين عزم على معاقبة الهدهد الغائب، جاء يخبره: ]قَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ[، وفي قصة ابني آدم حيث تعلم الإنسان من الغراب: ]فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِين مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ[.

كما أمرنا الله تعالى بالرجوع إلى أهل العلم وذلك لعلوّ فضلهم؛ قال تعالى: ]فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ[، وقال: ]وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ[.

فالتعليم يرفع قدر المتعلم ولو كان كلبا؛ قال تعالى: ]يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ[، وبهذا امتاز الكلب المعلَّم على سائر الكلاب.

كما أن العلم بحر لا ساحل له، والازدياد في العلم مطلوب؛ قال تعالى: ]وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا[ وقال: ]وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا[ وقال: ]وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ[.

إذن، فأيّ علم أوصلك إلى خشية الله والخوف من لقائه فأنت في طريق العلماء المشار إليهم في الآية: ]إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ[، وأيّ علم لا يكون لك سببا في معرفة الله تعالى وخشيته، فهذا وبال على صاحبه وسيسأل عن كل هذه المدة التي أفناها من عمره في علم خسر به دنياه وآخرته.

فاللهم ارزقنا علما نافعا وقلبا خاشعا ولسانا ذاكرا، نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبآياته البينات، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه تجدوه غفورا رحيما.  


الخطبة الثانية

الحمد لله مبدع الكون خالق الإنسان من ضعف، أمره بالعلم ليعرف ربه، ويكتشف أسرار هذا الكون الفسيح، فسما على كثير ممن خلق، وأصلي وأسلم على النور المبعوث رحمة للعالمين هاديا ومرشدا ومعلما؛ وبعد:

إن الإنسان يمر بمراحل متعددة منها مرحلة الشباب؛ وهي مرحلة القوة والعطاء والبذل، فإذا أحسنت الأمة توجيهها وتربيتها والرفع من مستوى فكرها وعلمها، ازدهرت الأمة وارتقت إلى مصاف قيادة الأمم، وإذا أسيء توجيهها وتربيتها، وضعف مستواها الفكري والعلمي، تجرعت الأمة الغصص والويلات، وأصبحت لقمة سائغة في أيدي أعدائها.

أيّها الشاب المقبل على التحصيل العلمي وملازمة مقاعد الدراسة: إن أمتك تنتظر منك الكثير، فلديك من القوة ما لا يوجد عند الصبي والشيخ، فقدر هذه النعمة قدرها فإنها لا تدوم، فصلاحك دليل سعادة الأمة وفسادك دليل تعاسة الأمة.

أيها الشاب: اشتغل بمعالي الأمور وعظائمها واهجر سفاسفها وحقيرها، وابتعد عن الكسل والخمول والتسويف والبطالة، فالعلم لا ينال إلا بالاجتهاد والصبر والمصابرة، قال تعالى مخاطبا نبيّه يحي عليه السلام: ]يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ[ أي بجد واجتهاد وحزم.

أيها الشاب؛ كن طموحا ونشطا ومحركا لأمور الدنيا والآخرة، ولا تعش على الانطواء والانزواء، فإن هذا لا يأتي بنتيجة تذكر، واستغل ما وهب الله تعالى لك من وسائل لنشر الإسلام والدين والعلم النافع، وإياك أن تستعملها فيما يغضب الله عز وجل، فإن الناقد بصير.

أيها الشاب؛ اجتنب التقليد الأعمى لملة الكافرين من ارتداء ملابس غير مطابقة لمواصفات اللباس الإسلامي، أو كتب عليها كلمات وشعارات مخلة بالآداب والأخلاق، وأسماء وصور لمشاهير السينمائيين والمغنيين واللاعبين، وهذا من أفعال السذج.

أيها الشاب؛ أريد منك أن تكون ثابت المبدأ راسخ العقيدة لا تزعزعك الأعاصير الوافدة من هنا وهناك، ولا تجري وراء الشعارات الجوفاء، ولا تتبع كل فكر هادم للأخلاق والدين، فكن كالجبل الراسي والطود الشامخ، هدفه في الحياة إرضاء الله تعالى، واعلم أن طريق الجنة ليست مفروشا بالورود، وإنما مفروش بالشوك الحاد الذي يلج إلى أعماق اللحم والعروق والعظم.

أيها الشاب؛ كن متواضعا ليّن الجانب مع أقرانك ومعلميك فإنك بذلك سيفتح الله عليك من خزائن علمه.

وأنتم أيها الآباء والأولياء: قفوا مع أبنائكم وأنفقوا عليهم بسخاء ولا تبخلوا عليهم مما آتاكم الله، راقبوا تصرفاتهم، زوروا المؤسسات واطلعوا على أحوال أبنائكم، صارحوهم وبادلوهم الأفكار والتصورات ووجهوها التوجيه الحسن، فهم الساعد الأيمن لكم إن أحسنتم.

أخيرا، أيها الشباب: إياكم وتضييع الوقت في اللهو واللعب والمتاهات، فأنتم أول من يندم على ذلك، وإياكم ومواضع التهم، إياكم والانصياع لكل ناعق.

حافظوا على شخصيتكم، أحسنوا إلى والديكم، حافظوا على الصلوات في الحضر والسفر، احذروا من التخنث والتشبه بالنساء، احذروا من التدخين فإنه الموت البطيء، واستأنسوا بكتاب الله فهو الحق الذي: ]لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ[.

هكذا وسيبقى الشاب دائما هو الأساس في البناء والتخريب وهو الطاقة الحية التي تحرك دواليب المجتمع نحو الرقي والازدهار.

اللهم يا ذا الجود والكرم، اهدنا واهد شبابنا إلى الصراط السوي، اللهم أبعد عنهم أمواج المعاصي والانحرافات، اللهم اجعلهم ممن يقابل الإحسان بالإحسان، اللهم أعنا وأعنهم على الاستمساك بهذا الدين القويم لنلتقي على سرر متقابلين، اللهم اجعلهم ذخرا لأمتنا إنك سميع الدعاء، اللهم طهر أعيننا وأعينهم من النظر إلى الحرام وسمعنا وسمعهم من الاستماع الحرام وألسنتنا وألسنتهم من أن يقولوا زورا أو فحشا أو كذبا أو سبا وسائر المحرمات، إنك وليّ ذلك والقادر عليه يا رب العالمين، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما، رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعائي ربنا اغفر لي ولوالديّ وللمؤمنين يوم يقوم الحساب. إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. 

الجمعة 10 شوال 1432هـ/ 09 سبتمبر 2011م ،  تقديم الأستاذ: داود بن صالح بن عبد الله      

 

 

 

 

 

 

 

تقديم
التعريف بالمؤسسة
الشيخ عمي سعيد
التربية والتعليم
الأنشطة والأخبار
فضاء الطالب والأستاذ
معهد عمي سعيد
مدرسة عمي سعيد
قسم التخصص
قسم التراث والمكتبة
قسم الدورات والتربصات
قسم المناهج والتكوين
قسم الإعلام والعلاقات
نادي النشاط الثقافي والرياضي
زوارنا من
زوارنا من
المتواجدون حاليا